تعرف هذه الأهرام اليوم باسم (أهرام البجراوية) نسبة لقرية البجراوية قرب مدينة شندي التي تبعد حوالي المائتين كيلومتر إلى الشمال الشرقي من العاصمة السودانية الخرطوم. أما اسمها العلمي فهو (أهرامات مروي) وهي من آثار مملكة نوبية عظيمة تدعى (مملكة كوش).
مملكة كوش التي سيطرت على الجزء الجنوبي من حوض النيل إلى الجنوب من مصر الفرعونية نشأت قبل ألف سنة من الميلاد تقريباً، غير أنها لم تكن المملكة الأولى في هذه المنطقة وإنما هي امتداد لحضارات نوبية أعرق أقدمها حضارة نشأت قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد في مدينة (كرمة) التي لا تزال آثارها الباقية قرب الحدود المعاصرة بين مصر والسودان تدهش علماء الآثار بتخطيطها المميز.
قبل 1500 عام من الميلاد أمر الفرعون تحتمس الثالث ببناء مدينة نبتة (بفتح الباء) عقب احتلاله لأراضي النوبة لتكون مركزاً للإقليم الجنوبي من مصر، وبقي شمال السودان (الذي عرف بكوش فيما بعد) تابعاً للحكم الفرعوني لخمسة قرون كاملة خلفت خلالها العديد من الآثار كمعبد الإله آمون.
في عام 1070 قبل الميلاد أعلن نائب الفرعون عن منطقة كوش استقلال الاقليم عن الإدارة الفرعونية واتخذ من نبتة (التي تقع جوار مدينة كريمة الحالية ، 400 كيلومتر إلى الشمال من الخرطوم) عاصمة له ، واحتفظ ملوك كوش بالعادة الفرعونية المتمثلة في دفن ملوكهم في مقابر ملكية فارهة على شكل أهرامات، وكان بنائهم قريباً من النموذج المصري مثل الأهرام في منطقة نوري.
وإذا كنتم تتسائلون عن ما بداخل الهرم فهو يحوي غرفة أو آكثر ليرتاح فيها الملك في “العالم الآخر” حسب اعتقادهم كالغرفة الموضحة في الصورة.
في القرن السادس قبل الميلاد وعقب الغزو الفارسي لمصر انهارت التجارة بينها وبين مدينة نبتة خصوصاً تجارة الذهب، وفقدت نبتة مركزها الحيوي وخسرت دورها لمصلحة مدينة أكثر فتوة في ذلك الوقت هي مدينة مروي التي أصبحت بدورها العاصمة الجديدة لمملكة كوش ..
في مروي الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيل أصبح الطراز المعماري لأهرامات مملكة كوش أكثر تميزاً من نظيره الفرعوني فهي أقصر طولاً وذات قاعدة أضيق بحيث أن نسبة ارتفاع الهرم إلى مساحة قاعدته أكبر من تلك الموجودة في الأهرامات المصرية.
يقسم علماء الآثار منطقة مروي إلى ثلاثة مقابر رئيسية: شمالية وجنوبية وغربية تضم في مجملها 34 ملكاً و 11 ملكة ومئات غيرهم من أفراد العوائل المالكة والحاشية مدفونين في خمسين هرماً في هذه المنطقة بنيت خلال فترة امتدت لأكثر من ألف سنة من عام 720 قبل الميلاد إلى عام 350 ميلادية.
اكتشف أهرامات مروي (التي سميت لاحقاً بأهرامات البجراوية) وقدمها للعالم عالم المعادن الفرنسي فريدريك كايو في عام 1821 ، ومع أن موقعها في قلب الصحراء وفر لها نوعاً من الأمان من النهب على مدى آلاف السنين إلا أنها لم تسلم من يد صائد الكنوز الإيطالي جيوسيبي فيرليني. كان فيرليني يعمل جراحاً مع الجيش المصري الذي كان يحتل السودان في عام 1834. قام هذا المخرب بتفجير قمم 40 هرماً ليتمكن من الدخول إليها والحصول على ما تحتويه من ذهب ومجوهرات، ولذلك من السهولة ملاحظة أن اغلب الأهرام تفتقد لقمتها.
تُعرض اليوم الكثير من الحلي والآثار المنهوبة في عدد من المتاحف الأوروبية كهذه المجوهرات التي تخص الملكة المروية (أمانيشاخيتو) المعروضة بالمتحف المصري في برلين والتي يرجع تاريخها للقرن الأول قبل الميلاد.
ومع أن السودان به أكثر من 220 هرما (ضعف عدد الاهرامات في مصر) أثريا ، ومع أن أهرامات مروي مصنفة ضمن قائمة اليونيسكو للتراث الانساني العالمي ، إلا أنها كلها كأغلب الآثار التاريخية في السودان لم تحظ بالرعاية والاهتمام اللائقين من قبل الحكومات السودانية المتعاقبة .. لكنها تبقى صامدة عبر الزمن شاهدة على حضارة عريقة صنعتها أمة عظيمة